يَستخدمُ الـمَشارقةُ في مِصرَ وبِلادِ الشام الَألفاظَ «لِـسَّه» وَ«إِسَّه» بمعنى : «الآنَ». وتَستخدمُ العربيةُ الفُصحى لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ «لَيسَ» التي قال عنها عُلماء العَرَبيَّةِ إنَّ أَصلَها كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ تَدُلُّ عَلَى الكينونة والوجود وهي «أَيْسٌ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُبَ اللغةِ لم تُعطِ أصلَ الكلمة، بل اكتفَت بالقول إنَّ أصلَها مُـماتٌ مَهجور. يُقدِّم المقالُ فرضيةً في الأصل الاشتقاقي للمفرداتِ العربية الفصيحة «أَيسٌ» وَ«لَيسَ» و«شاءَ» وَ«شَيءٌ» وَ«يَـشْ» «ישׁ» الْـعِـبْـريَّةِ وكذلكَ فِعلِ الكينونة الفرنسي «être». ويحاول أن يجد أصلاً لهذه الكلمات أَبعدَ بكثيرٍ من العربية القرآنية ولغة الأنباط واللُّغَة الصَّفَوِيَّـة البَدَويَّة (بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي) ويربطها بالسومرية (حوالي 2100 ق. م) التي كانت مَصدرَ بَعضِ أَساطير الديانات الإبراهيمية.كما يَعرض المقالُ استخدامات «أيس» الفلسفية واشتقاقاتها.
***
في مَسرحية «الشخص» (1968) تَـعَـمَّد الأَخَوانِ عاصي ومنصور رَحباني عَدَمَ إعطاءِ أسماءٍ لشخصياتِ المسرحية لِتُصبِحَ الشخصياتُ مُجَرَّدةً وغامضةً : “بيَّاعة الـبَنَدورة” [بائعة الطَّماطِمِ] (فَيروز)، “الـمُتَصَرِّف” [حاكِم الـمُتَصَرِّفية وهي ولاية عُثمانية] (نَصري شَمس الدين)، “الشاويش” [الرَّقيب وهي رُتبة في الشرطة أو الجيش] (وِليام حِسواني)، “القاضي” (فيلمون وهبي). و”البَلْدَة” لَم يَكُنْ لها اسم.
وحَتَّى «الشَّخصُ» نَفسُه (الّذي لَعِبَ دَورَه الـمُمَـثِّلُ أَنطوان كِرباج)، وهُوَ أَهَـمُّ شَخصيةٍ سياسية في البِلاد ورَمزٌ للحاكم، كانَ كائنًا لا اسمَ له، وكأنَّه غيرُ موجودٍ، ولِذَلِكَ عِندما تَـكَـلَّم “الشخصُ” أَمامَ “بيَّاعة البَنَدورةِ” فُوجِئَتْ بِأَنَّه يَتَكَلَّم. فهو إذَنْ موجودٌ، ولكنه موجودٌ يسكُن فيه اللامَوجود، كما يُصَرِّح هو في آخِرِ الـمَسرحية : «أَنا قاعِد فِـيِّي الْـ”مِشْ أَنَا”» [“أَنا يَسكُنُني اللاأَنا”]. لَقد كان “الشخصُ” قِناعًا أو “پـيـرسونا” (personne)، أيْ «أَحَدٌ» و«لا أَحَدَ» في الوقت نفسه، أَيْ كانَ هُوَ ولَيسَ هُوَ، أَو بَتَعبير فلاسفة الـمسلمين بين القرنَـيـنِ الثامن والعاشر الـميلاديَّـيـنِ: هُوَ أَيسٌ وَلَيسَ، بَل هُوَ أَيسٌ تَلَيَّسَ أَو لَيسٌ تَأَيَّس.
فَـما هُوَ الأَيسُ واللَّـيـسُ؟ وَمِن أَين جاءَ فِعلُ النفي الجامِد «لَيسَ» إِلَى العربية المِعيارية (الفصيحة) لِنَفي الجملة الاسمية؟ مِن المعروف أنَّ العربية، كما في اللغات الساميَّة، تستخدم نِظامَ الجملة الاسمية (الـمُـسْـنَـد إِلَيهِ وَالـمُسنَـد أو الـمُبتَدَأ وَالـخَــبَـر) بِدونِ أنْ تستخدم فِعل الكون أو الوجود في الزمن الحاضر (المضارع). ولِنَفي الجملة الاسمية في الحاضر تستخدِم العربيةُ الفِعلَ «لَيسَ». وحسب رأي عُلماء العَرَبيَّةِ كالخليل الفراهيدي وابن فارس والزمخشري وابن منظور وأَبي علي الفارسي، إنَّ أَصلَ الفِعلِ الـجامِدِ العَرَبيّ «لَـيْـسَ» (الـمُستَخدَمِ لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ [الـحاضر]) هُـوَ: «لا أَيْــسَ» أَيْ: «لا وُجِــدَ» (أَو «لا يُـوْجَــدُ»). و«أَيْسٌ» هِيَ كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ، أَيْ مَهجورة، تَدُلُّ عَلَى الكينونة.
يُـقالُ في العربيَّة الفُصحَى: «اِئْـتِــنِـي مِـنْ حَــيْــثُ “أَيْــسَ” وَ”لَــيْــسَ”»، أَيْ: «مِنْ حَــيْــثُ هُوَ وَلا هُوَ». وَ«أَيْـسَ»: مَوجود، وَ«لا أَيْـسَ»: لا مَوجود. ذَكَرَهُ لِسان العَرَب والقاموس الـمُحيط والعَـيـن ومقاييس اللغة وتاج العَروس والـمُـستقصَى مِن أمثال العَرب وتَهذيب الُّلغة، وغيرها. فَـمَعنى «أَيْس» بحسب مَعاجِم اللُّغة هو كمعنى «حيثُ هو في حال الكَينونة والوَجْدِ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُب اللغة لم تُعطِ أصلَ الكلمة.
قال الفَراهيديُّ إِنَّ «أَيْـسَ» “كَلِمةٌ قد أُميتَتْ”. ولكنَّ فلاسفةَ الإسلامِ أَحيَـوها وجمَعوها على «أَيْـسات» واشتَقُّوا منها فِعلاً ومَصدرًا واسمَ فاعل : أَيَّــسَ يُـؤَيِّـسُ تَـأْيِـيْـسًا فَـهُـوَ مُـؤَيِّـسٌ.
وقد رَبَطَ الدكتور جميل صليبا في كتابه «الـمُعجَم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية» بين جذر لَيسَ، وهو «أَيسَ»، وبين الفعل اللاتيني الذي يدُلُّ على الوجود Esse فقال :
أَيْسَ
في الفرنسية : Etre, il est
في الإنكليزية : to be
في اللاتينية : Esse
في الفلسفة، «الأَيْـسُ»: وجود الكينونة أو الكائن الـمَوجود. و«أَيَّـسَــهُ»: كَوَّنَ وُجودَهُ. قالَ أبو يَعقوبَ السِّـجْـزِيُّ [السِّجِسْتانيّ] الإسماعيليّ (القَرن العاشر): «لَـمَّا كانَ اسْمُ اللهِ جَلَّ جلالُهُ بِالغَلَبةِ أَظْهَرَ الأَيْـسِـيَّــاتِ لا مِنْ أَيْـسٍ، حَـتَّـى أَيَّــسَها وسَمَّاها كَما شاءَ مُبْدِعُها وَمُؤَيِّـسُها».
ونُسِبَ إِلَى جابرٍ ابنِ حَـيَّان (721 – 815م) قولُه: «فَـيَـجِبُ مِن ذلكَ أَنْ يَكُونَ إِبداعُ الأَيْـساتِ عَنْ لَـيْـسَ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجوداتِ عَن لاموجود، من العَدَم؛ «إِنَّهُ لا يَـخْـلُو الكَونانِ مِنْ أَنْ يكونا حَـيَّــيـْنِ، أَو مَـيِّـــتَـيـنِ، أَو أَحَدُهما حَـيًّا وَالآخَرُ مَـيْـتًا، أَو كُلُّ واحدٍ مِنْـهُما حَـيًّا مَـيْتًا. فَإِنْ كانا حَـيَّــيْـنِ ولا غَـيْـرَهُما فَالـمَوتُ لَـيْـسٌ، والـمَوتُ مَـوجودٌ، وَالوجودُ أَيْـسٌ، فالـمَوتُ أَيْـسٌ لَــيْـسٌ.»، أَيِْ: الـمَوت وجودٌ عَدَمٌ، ورُبَّما يَقصِد أَنَّ الـمَوتَ مَوجودٌ يَنفي موجودًا. (رَسائل جابر بن حَيّان، دار الكُتُب العلمية، ط1، 2006، ص 134، 137)
ويقول الكِـنْديُّ (801 – 873م): «الإبداع هو إظهار الشَّيءِ عن لَـيْـسَ»، أَيْ: إِخراجُ الشَّيْءِ مِنْ لاشَيْءٍ، أَيْ: إِظهارُ الـمَوجودِ مِن العَدَمِ. ويقول ابن سينا في رسالة الحدود: «حَــدُّ الإبداعِ هو اسمٌ مُشترَك لِـمَفهومَـيـنِ أَحَدُهما تَــأْيِــيْـسُ الشَّـيءِ لا عَن شَيْءٍ ولا بِـواسِطةِ شَيْءٍ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجودِ لا مِن مَوجودٍ ولا بِواسِطة مَوجودٍ. ونُـقِـلَ في الـمِـلَلِ وَالـنِّـحَـلِ عن ثاليس الـمِلْطِي [طاليس الـمِلطي Thales of Miletus، ت 545 ق. م] أنه قال: «الإِبداع هو تَــأْيِــيْـسُ ما لَـيْـسَ بِـــأَيْــسٍ» ( بِـحار الأنوار، الـمجلسي). ووَرَدَ أيضًا عن ابن سينا (980 – 1037م) في الإشارات (ص 174) : «ومنها مثل أنْ يكونَ الشَّيءُ عالِـمًا بأنَّ شيئًا لَيسَ ثُـمَّ يَحدُثُ الشَّيءُ فيصير عالـمًا بأن الشَّيءَ أَيس». وقال ابن سينا أيضًا: «فإن الهيولى لا تَسبِقُ الصورةَ بالزمان، ولا الصورةُ الهيولى أيضًا، بل هما مبدعان معا عن لَيسيَّة» (الأَجرام العلوية، 43- 44).
لَـقَد كَتَبَ الباحثُ اللُّغَويُّ الـمُؤَرِّخُ السوريُّ الـحَلَبيُّ خير الدين الأسدي (1899 – 1971) كِتابًا بِعُنوان: «أَيسَ وَلَـيـسَ»، وهو مخطوط من 275 صفحة لَـمْ نَـتَـمَكَّن من العثور عليه. وقَد دَرَسَ أَحمدُ الـجَلاَّدُ الباحِثُ في جامعة ولاية أوهايو أَقَدمَ الشَّواهِدِ الكِتابية النَّقشيَّة (épigraphique) عَلَى «لَيسَ»، وتَوَصَّلَ إِلَى أَنَّها لَفظَة مُقتَرَضَة دَخَلَتْ إِلى البيئة القرآنية والعربية الفصيحة وأَنَّ شواهِدَها في قَواعد اللُّغَة الصَّفَوِيَّـة [الصفائيّة] البَدَويَّة (وهي لَهجة عربية قديمة كانت سائدة في بادية الشام وشمالِـيِّ شِبهِ الـجزيرة العربية بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي [ولا علاقة للصَّفَويين العَرَب البَدو بالصَّفَويين الإيرانيين (القرن 13م) المنسوبين لِـصَفِيِّ الدين الأردبيلي مؤسس الدَّولة الصَّفَوية]) تَستبعِد أصلَها الآراميَّ وتَفتَرِض مَصدرًا أقدَمَ بكثير من بيئة القُرآن وَأَنَّ مِن الـمُمكِن أَنْ تَكونَ قد اقـتُـرِضَتْ مِن الآشورية وهِيَ إحدى لهجات اللُّـغة الأكَّادية الشرقية السامية القديمة أو مِن عربية شَمالية كالـتَّـيـمانِـيَّـة (Taymanitic) [نِسبةً إِلَى «تَـيماء» شمال غرب الجزيرة العربية، وربَّـما هي اللُّغة الثَّـموديَّة نِسبةً إِلَى قَوم ثـمود الّذين سَكَنوا تَيماءَ].
يبدو أَنَّ «لَيسَ» أَتَت مِن لُغة أَبعدَ مِن عَربية الأَنباطِ (١٦٩ ق.م – ١٠٦ م)، فَـ «الـحرف الوحيد الذي جاء في النبطية ويفيد النهي والنفي هو حرف “ل ا” (بِـمعنى : “ليس، لا، لن”)». ولَمْ تُستَخدَمْ لفظةُ «لَيسَ» في الأَكَّدية. فَأَدواتُ النفي في الأَكَّدية هي أَربعُ: ١-«لَ» [la]، ٢-و«أُلْ» [ul]، ٣-و«بَـلُـمْ» [balum]، ٤-و«أَيّ» [ayy]. وتُقابِلُ سِتَّ أَدواتٍ عربيَّة («لا» و«لَـمْ» و«لَـنْ» و«ما» و«لَيسَ» و«بِـلا»). وقد استُخدِمَتْ «أُلْ» [ul] بِـمَعنى: «لَـنْ» وَ«لَيسَ».
مِن الـمَعروف أنّ الأساطير السومرية القديمة الّتي وُضِعَتْ حوالي ٢١٠٠ ق. م، وتحديدًا ملحمة جلجامش، هي أصل بعض أساطير الكتاب المقدَّس كأسطورة الـخَلق والطوفان. وعلَى هذا الأساسِ فمِن الـمُرَجَّح أنْ يتجاوزَ التأثيرُ السومريُّ حقلَ الأسطورةِ لِـيَطالَ اللُّغةَ أيضًا نَظَرًا لِكَونِ اللغة هي حامل الأسطورة. فما الذي يَـمنَـع إذًا من أنْ نقترِحَ تأثيلاً أو تأصيلاً لِسانيًّا سومريًا فــنَـفترضَ أنَّ اللغة السومرية قد أثَّرَت في العربية وحتَّى في اللاتينية؟ فليست الأسطورةُ السومريةُ وحدَها أَصلًا لِأساطير الديانات المسمّاة “توحيدية” أو “إبراهيمية” بل إنَّ اللغة السومرية هي أصلٌ لِكلماتٍ مستخدَمةٍ في لُـغاتِ هذه الديانات.
مِنَ الـمُرَجَّـحِ، إذًا، أَنَّ كلمة «أَيْسَ» مُـنـحَـدِرة مِن لَفظة «أَش» السُّومريَّـة، نظراً للتشابه الدِّلاليّ والصوتي بين الكلمتَين والعلاقة التاريخية. ففي السُّـومَرية [وَهِيَ لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ 3000 ق.م.) الّتي أثّرَتْ بالأَكَّـدِيَّة [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle] (حَوالَي ٢٠٠٠ ق. م.) القَريبةِ جِدًّا من العربية [لُغة ساميَّة إشتقاقيَّة] (حوالي 300م)، كانَت اللَّفظةُ «أَش» [aš] تَعني الفِعلَ اللَّازِم: «يَـكُـونُ واحِدًا» (أَيْ «يُوجَد») أَو الاِسمَ: «واحِد» (أَيْ الـمَوجود كَوَحدَة مُستقِلَّة).
وَما زالَـت هذهِ الكَلِمةُ «أَش» مُستخدَمةً في الْـعِـبْـريَّةِ [لُغة ساميَّة] (حوالي 1000 ق. م.): «ישׁ» [«يَـشْ»]، أَيْ: «يوجَدُ»؛ وهِيَ مُنحَدِرة مِنْ فِعل الكينونة السومَري ثُـمَّ الأكَّادي «أَش» [aš]؛ والتشابهُ الصَّوتيُّ والأَحداثُ التاريخية (الوجود اليهودي في الإمبراطورية البابلية) تَـدعَمُ ذلك. وفي اللاتينية [لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ 700 ق.م)، الفِعلُ «esse» [إِيسِّ] يعني «يُـوْجَــدُ» [أو «يَـكُـونُ»] (وهو أَصلُ الفِعل الفرنسي «être» [آيْــتْر]). ويبدو أنَّ السُّومرية والأكّادية قد أَثَّرَتا في اللاتينية، حيث كانت مَنطقةُ التَّـلاقي والتَّلاقُحِ الثقافي واللغوي والـحَضاري هي سوريا الطبيعية التي يُـمكِـنُ عَـدُّها بُـوتَـقَةَ الـحَضارات القديمة. فالإمبراطورية الآشورية الحديثة (934 ق.م –609 ق.م) امتدَّ نُـفوذُها على كُـلِّ سوريا الطبيعية (قيليقيا وفينيقيا واليهودية والعربية) وقُبرُص. وهذِهِ الـمَناطِـقُ السُّورية صارت تَـحتَ نُـفوذِ الإمبراطورية البابلية الحديثة (626 ق.م – 539 ق.م) ثُـمَّ تحت حكم الإسكندر الأكبر المقدوني (356 ق.م – 323 ق.م) ثمَّ تحت نفوذ الإمبراطورية السلوقية (305 ق. م – 64 ق.م) ثم الإمبراطورية الرومانية (27 ق.م – 476 م).
والعَرَبيَّةُ الّتي نشأَتْ في القرن الثالث الـميلادي [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle]، احتفظَت بأثَـرٍ لِـهذِهِ الكَلِمةِ السومرية والأكّادية «أَش» [aš] في الكَلِمات العَرَبيَّة التَّالِيَة:
1)- كلمة «لَـيْـسَ» [«لا أَيْــسَ»]؛
2)- وَكلِمة «أَيْـسٌ» [مَوجودٌ] الـمُستخدَمة في الفلسفة فَـقَط؛
3)- وكلمة «شَـيْء» (الَّتي تُـعَـدُّ مَصْدَرَ الفِعلِ «شَاءَ»)؛ و«الشَّيْءُ» هُوَ الـمَوجود؛ فَقَد عَـرَّفَ مُـعـجَـمُ الدَّوحةِ التاريخيُّ «الشَّيْءَ» بِالقولِ: «الشَّيْءُ كُـلُّ مَوجودٍ بِـوَجْـهٍ ما». وجاءَ في الـمُعجَم الوسيط: «الشَّيْء: الْـمَـوْجُود وَمَا يتَصَوَّر ويخبر عَنهُ».
وعادةً تُـبْدِلُ العربيَّةُ الشينَ السُّومرية والأَكَّادية والعِبريَّة سينًا. فالسِّـيـنُ وَالشِّـيـنُ يَـتعاوَران [يَتبادلانِ] في اللُّغاتِ السامِيَّة. ولكنْ إِذا صَحَّت فَرضيَّةُ أَنَّ «أَش» [aš] هِيَ أَصلُ «شَيْء» (والفِعل «شَاءَ») فَـمِنَ الـمُـرَجَّحِ أَنَّ العَرَبيَّة احتفَظَتْ بالشين الأَصليَّة لتفادي الـخَلْطِ بِـكَـلمة أُخرَى هِيَ «سَـيِّء» (والفِعل «سَاءَ»).
فَـالـمُـرَجَّحُ، إذًا، أَنَّــه عَن الكلمة السُّومرية القَديـمة «أَش» (= يَكون؛ واحِد) انبثقَتْ الكلماتُ الـحَديثةُ: العِبريَّةُ «ישׁ» [يَشْ] (يُوجَد) وَالفَرَنسيَّةُ «être» [ آيْتْر] (يَكُون) و«as» [أَسْ] (الواحِد في لَعبِ الورَق) والعَرَبيَّةُ الفُصحَى «ليسَ» وَ«شَيْءٌ» وَالعَرَبيّةُ العامِّـيَّـةُ «شِيْ» وَ«إِسَّا» وَ«لِسَّا» و«إِيـشْ» و«شُـو».
محمّد علي عبد الجليل
أستاذ مبرّز في العربيّة في جنوب فرنسا، كاتب ومترجم وخطّاط وباحث في الإسلاميّات والتّرجمة.