عندما يتحدث خصومنا السياسيون بلغة الاقتصاد فقط، فإنه من المفيد أن نتعلم كيفية قول “لا” بلغتهم.
في يوليو 2005، وبناءً على رأي محكمة العدل الدوليّة، تمّ إطلاق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) من قبل ائتلاف عريض من المجتمع المدني الفلسطينيّ، يضمّ أكثر من مئة وسبعين مجموعة. تستلهم هذه الحركة نضالها من الكفاح ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (الأبارتايد)، وكذلك من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وهي متجذرة في قرن من المقاومة الشعبية الفلسطينية. تهدف مهمتها إلى إنهاء نظام الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، مع المطالبة بحقّ العودة إلى الأراضي الفلسطينيّة وتعويضات للاجئين الفلسطينيين.
تندرج المقاطعة، كاستراتيجية مقاومة غير عنيفة، ضمن تاريخ طويل من الأعمال الجماعيّة المستوحاة من نضالات السّود، وقد أثبتت فعاليتها في الضغط على الأنظمة القمعيّة والاستعماريّة. ومن بين التحركات الأيقونيّة، كانت مقاطعة حافلات مونتغمري (1955-1956) رمزاً قويّاً للمقاومة ضدّ الفصل العنصري في الولايات المتحدة. هذه المقاطعة، التي انطلقت ردّاً على الظلم الذي تعرضت له روزا باركس وأميركيون أفارقة آخرون، ساهمت في إضعاف نظام التمييز العنصري. وبالمثل، لعبت مقاطعة المتاجر في شيكاغو خلال الستينيات دوراً أساسيّاً في النِّضال من أجل المساواة في الحقوق المدنيّة، مِمّا شكّل نقطة تحول في الضّغط على الجهات الاقتصادية. في وقت لاحق، أثبتت حملة سحب الاستثمارات العالمية ضد جنوب إفريقيا، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تأثير المقاطعة على المستوى الدولي، حيث مارست ضغطاً اقتصادياً واسعاً على نظام الفصل العنصري وسرّعت بانهياره.
تعكس حركة التضامن مع فلسطين اليوم استمراريّة هذه الاستراتيجية، وتهدف حملة المقاطعة (BDS) إلى فضح انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، وتواصل جذب دعم دولي متزايد، خاصّة مع البث المباشر على الإنترنت الذي ينقل للعالم بأسره الإبادة الجماعية في غزة، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 44,176 شخصاً، وفقاً لوزارة الصحة في غزة حتى 23 نونبر/تشرين الثاني 2024، بالإضافة إلى الانتهاكات المرتكبة في القدس وفي كافة أنحاء فلسطين التاريخية. وعلى الرغم من أن هذا الرقم مرعب ويواصل الارتفاع يوماً بعد يوم، فمن الضروري النظر في تقديرات أخرى مستقلة، مثل تلك التي نشرتها مجلة “ذا لانسيت“، وهي مصدر موثوق في مجال الصحة والعلوم الطبية. وفقاً لتحليلها الصادر يوم 19 يونيو/حزيران 2024، من المحتمل أن يصل العدد الإجمالي للوفيات في غزة ما يزيد عن 186,000.
لقد لعبت هذه المأساة والغضب العالمي الذي أثارته دوراً كبيراً في تغيير الرأي العام بخصوص القضية الفلسطينية، خاصّة في الغرب. بيد أنّ هذا التغيير في التصورات يعود أيضاً إلى عوامل أخرى مُتعدّدة ساهمت في زيادة الوعي حول تواطؤ الأنظمة الغربيّة مع الاحتلال العسكري والاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي. ومن بين هذه العوامل، يبرز دور حركة المقاطعة، حيث زرعت بذور المقاومة على مدى السنوات الماضية. ينعكس هذا التطور أيضاً في استطلاعات الرأي الأخيرة، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة يوغوف صيف العام 2023 تراجع شعبيّة الكيان الصهيوني لدى الرّأي العام الأوروبي، بما في ذلك دول مثل ألمانيا وفرنسا. أمّا في كندا، فمع بداية الإبادة الجماعية نونبر/تشرين الثاني 2023، عبّر 28% من الكنديين عن تعاطفهم بشكل رئيسيّ مع الإسرائيليين، بينما شعر 18% منهم بالقرب إلى الفلسطينيين. ومع حلول فبراير/شباط 2024، انخفضت نسبة التعاطف مع الكيان الصهيوني بنسبة 3%، بينما ارتفعت نسبة الدعم لفلسطين بنسبة 5%، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد أنجوس ريد بكندا.
حركة المقاطعة (BDS): ردّ غير عنيف على الاضطهاد
في بداية الأمر، لم يلقَ حِراك المقاطعة صدى كبيراً داخل حركات التضامن، ولم يبدأ في اكتساب الشهرة والتأثير إلاّ بعد المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة بين عامي 2008 و2009. مع مُضيّ السنين، وسّع الحراك شبكته على المستوى الدولي، مستفيداً من دعم مختلف مكوّنات المجتمع المدني، مثل النقابات وائتلافات المنظمات والمجموعات والحركات المنخرطة في النضال من أجل العدالة الاجتماعيّة والعرقيّة والمناخيّة، ما يمثّل ملايين الأشخاص حول العالم.
واجهت حركة المقاطعة، كأيّ حركة تزداد شعبيتها وتحقق مكاسب ملموسة، محاولات قمع تهدف إلى تجريم أنشطتها وتشويه صورتها. وازدادت حِدّة هذا القمع منذ العام 2015، خاصّة من قبل حكومات عدة دول غربيّة أقدمت على سَنِّ قوانين وقرارات تستهدف الحركة. ففي فرنسا، قضت محكمة النّقض في 2015 بعدم قانونيّة الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. أمّا في المملكة المتحدة، فقد تمّ فرض قوانين تحظر هذا الشّكل من المقاطعة. وفي الولايات المتحدة، صوّت الكونغرس عام 2015 على قانون يهدف إلى تفكيك حركة المقاطعة (BDS)، بذريعة أنه يعيق مبادئ اتفاقيات التجارة الحرة. وسارت كندا على النّهج نفسه، حيث ندّدت حكومة ستيفن هاربر باستهداف الكيان الصهيوني واعتبرته شكلاً من أشكال معاداة السامية، فيما تبنّت حكومة جاستن ترودو قراراً مناهضاً للحركة عام 2016.
مُنع عمر البرغوثي، مؤسّس الحركة، من الحصول على تأشيرة الدخول إلى كندا لحضور مؤتمر باندونغ الشمالي 2024 في مونتريال. خلال مداخلته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، شارك البرغوثي عن بعد عبر تقنيّة الفيديو، وسلّط الضوء على الاتهامات المتكررة التي تُوجَّه إلى حركة المقاطعة بالقول:
“تستند حركة المقاطعة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي تعارض بشكل قاطع جميع أشكال العنصرية، بما في ذلك الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية. إنها تستهدف التواطؤ وليس الهوية. وقد أظهر استطلاع للرأي عام 2022 أنّ 16% من الجالية اليهوديّة الأمريكية تدعم الحركة، وترتفع النسبة بشكل ملحوظ بين من هم دون الأربعين عاماً. إنهم يدركون عدم وجود أيّ مُتعلّق يهودي في الحصار، في التطهير العرقي أو في المجازر، أو سرقة الأراضي والاحتلال، أو الفصل العنصري والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل؛ وبالتالي، لا وجود لأيّ مضمون معادٍ لليهودية في دعم حركة المقاطعة بهدف إنهاء هذه الجرائم وأنظمة الظلم.” (يمكن قراءة هذا النص عبر الإنترنت في مجلة Ouvrage).
لا يشهد هذا النشر المنظم لترسانة من الأدوات التشريعية والسياسية، التي أعدتها القوى الغربية الكبرى حصرياً لتحييد تأثير الحركة، على الفعالية الاستراتيجية لهذه الحملة فحسب، بل يؤكد أيضاً على التهديد الذي تشكله على مصالحهم الاقتصادية والسياسية. فمن خلال الكشف عن الأسس الاستعمارية الكامنة وراء هذه المصالح، تكشف حركة المقاطعة عن آليات الاستغلال والهيمنة التي تدعم هذه البنيات السلطوية.
تندرج هذه الاستراتيجية التحيدية إذن ضمن ديناميكية أوسع تهدف إلى إخفاء المشاكل الحقيقية. وهذا بالضبط ما تقوم به الدعاية الصهيونية باستمرار، حيث تختزل التاريخ الاستعماري في مجرّد صراع دينيّ بين المسلمين واليهود، ممّا يمحو عن قصد الجذور الاقتصاديّة والسياسيّة لأيّ مشروع استعماريّ، ويعمد إلى تورية الطبيعة الحقيقيّة للهيمنة.
إنّ هذه الخطابات تجد صدى متضخماً في تصريحات القادة الإسرائيليين، التي غالباً ما يتم تبنيها من قبل الحكومات الغربية الساعية إلى تبرير وتطبيع الإبادة الجماعية المستمرة تحت ذريعة “حرب الحضارات ضد الهمجية“. يعيد هذا الإطار الخطابي تفعيل الرموز التقليدية للهيمنة الاستعمارية، حيث يتمّ تمويه العنف والقمع في شكل “مهمّة تحضيريّة”. بيد أنّه، خلف هذه الواجهة الإيديولوجية، تكمن مصالح استراتيجية واقتصادية تهدف إلى الحفاظ على النظام الرأسمالي العالمي، وهذا ما يفسر الجهود المبذولة بكثافة للإبقاء على هذه السرديّة. وهذا ما أشار إليه جان ماري غوستاف لو كليزيو، الأديب الفرنسيّ الحائزة على جائزة نوبل للآداب 2008، حين حدّد ثلاث ثوابت في كلّ مشروع استعماريّ: الأهمية الكبرى للمصالح الاقتصادية، التفوق العسكري، واحتقار السكان الأصليين. تؤكد هذه العوامل، التي لا تزال قائمة حتّى اليوم، العلاقة المتبادلة بين الاستعمار والاستغلال المنهجي.
في هذا السياق، يقدم حراك المقاطعة ردّاً مباشراً على هذا الخطاب السّائد، وذلك عبر إعادة توجيه النّقاش نحو القضايا الجوهريّة التي يصبو هذا الخطاب إلى طمسها؛ فهو يسلط الضوء على ديناميكيات الاستغلال والفصل العنصري والنهب الذي تمارسه هذه الأنظمة. ومن خلال فضح تواطؤ الفاعلين الدوليين واستهداف البنى الاقتصادية والتكنولوجية التي تدعم الاحتلال، تُجبر حركة المقاطعة النظام على مواجهة تناقضاته وتحمّل مسؤوليّة جرائمه.
تسعة عشر عاماً من الانتصارات المتواصلة
لقد مضى اليوم تسعة عشر عاماً على انطلاق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ولا تزال إنجازاتها تتزايد بشكل مستمر، مما يؤثر بشكل كبير على أشكال التضامن مع الحركة وكذلك على العديد من الشركات الدولية التي لها روابط وثيقة بالاحتلال.
قد يكون من الصّعب إجراء جرد شامل لجميع إنجازات الحركة على مر السنوات الأخيرة نظراً لكثرتها، لكن في وسعنا تسليط الضوء على بعض اللحظات البارزة. كانت السويد أوّل دولة أوروبية تعترف بحق المقاطعة ضدّ إسرائيل، كذلك فعلت دولٌ أخرى مثل النرويج ولوكسمبورغ وهولندا وإيرلندا ونيوزيلندا، مُتّخذة تدابير ملموسة منذ عام 2016. كما اضطرت العديد من الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، بما في ذلك فيوليا وأورنج وجي فور إس وپیلزبوري وإنتل، إلى إنهاء مشاركتها في المشاريع الإسرائيليّة.
في الولايات المتحدة، سحبت العديد من المؤسسات الدينية الكبرى، مثل الكنيسة الميثودية المتحدة، وتحالف المعمدانيين، استثماراتها من البنوك الإسرائيلية والشركات الداعمة للاحتلال. كما تبنت الكنيسة التجمعية الوحدوية في جنوب إفريقيا حملة المقاطعة.
كذلك أعربت العديد من المنظمات الدولية عن دعمها للحركة، فقد أضحت منظمة العفو الدولية مدافعاً رئيسيّاً عن النشطاء المشاركين في حركة المقاطعة من أجل الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وتدين باستمرار التّهديدات الجسدية والانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل إسرائيل. كما دعمت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أنشطة حركة المقاطعة.
في الفترة الأخيرة، قام صندوق التقاعد الرئيسي في النرويج، تحت ضغط متزايد، ببيع حصته في شركة كاتربيلر، وذلك بعد أن كان قد استبعد بالفعل عدّة شركات إسرائيليّة بسبب اعتبارات المسؤولية الأخلاقية. وبالمثل، سحب أكبر صندوق تقاعد في القطاع الخاص البريطاني، استثمارات بقيمة 101 مليون دولار من الأصول الإسرائيلية.
على الرّغم من أنّ بعض الشركات لا تزال تحتفظ بعلاقاتها مع إسرائيل، إلاّ أن سُمعتها وأدائها الاقتصاديّ أصبحا مُهدّدين بسبب تداعيات حملات المقاطعة التي تستهدفها، كما يتضح من الأمثلة الأخيرة ِلماكدونالدز وستاربكس. ففي يوليوز/تمّوز 2024، أعلنت ماكدونالدز عن انخفاض مبيعاتها العالميّة للمرة الأولى منذ عام 2020، حيث تراجع صافي أرباحها بنسبة 12% مقارنة بالعام السّابق. كما سجّلت ستاربكس انخفاضاً بنسبة 2% في مبيعاتها في أمريكا الشمالية، و7% على الصعيد العالميّ، علاوة على تراجع تراجع أرباحها العالمية بنسبة 23%. وقد عزت الشركتان هذه النتائج السلبية إلى تأثير حملات المقاطعة، وذلك حسب تقرير نشره موقع “ذا إنترسبت” الأمريكيّ.
الجامعات باعتبارها معاقل للمقاطعة
لم تقتصر أهداف الحركة على الاقتصاد فقط، إذ تُعدّ المقاطعة الأكاديمية عنصراً أساسياً ومحورياً، تقودها الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. تهدف هذه الحملة إلى عزل ومعاقبة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية التي تلعب دوراً نشطاً في دعم الاحتلال والفصل العنصري. وكما تؤكد الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية فـ”الجامعات الإسرائيلية شريكة رئيسية، بشكل طوعيّ ومستمرّ، لنظام الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي”.
يتبدّى تواطؤ الجامعات الإسرائيلية من خلال إنتاج المعرفة التي تغذي الدعاية الحكومية وتشرعن الاضطهاد الاستعماري، بل وتدعم استراتيجيات التطهير العرقي في فلسطين. كما تلعب هذه الجامعات دوراً فعّالاً في تطوير التكنولوجيا العسكرية والأنظمة القانونية المُطبّقة في سياق العمليات العسكرية والرقابة الاستعمارية.
ويمكننا إعطاء الحديث عن معهد التكنولوجيا الإسرائيلي كمثال بارز لهذا التواطؤ، فلهذا المعهد دوز حيويّ في تطوير تقنيات الأمن بالتعاون الوثيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي وشركات الأسلحة الكبيرة مثل شركة أنظمة إلبيط ومؤسسة رافائيل التي تعمل، بمعيّة الجيش، على تطوير ابتكارات تكنولوجيّة مخصّصة، إلى حد كبير، لتعزيز عمليات القمع داخل الأراضي الفلسطينية. وتشمل هذه الابتكارات، على سبيل المثال، الجرّافة المدرعة D9، التي تُستخدم في الغالب لهدم المباني الفلسطينية أثناء الاجتياحات العسكرية، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة وأنظمة الأمان الآلية المنتشرة في فلسطين.
تُختبر هذه المعدّات على الفلسطينيّين خلال العمليات العسكريّة، بما في ذلك الإبادة الجماعيّة المستمرة في غزة، حيث يتم تحسينها واعتمادها قبل تصديرها إلى الأسواق الدولية. يجب أن نعلم أن صناعة الأسلحة تُعد ركيزة أساسية للاقتصاد الإسرائيلي، حيث تحتل الكيان الصهيوني المرتبة الثانية عالميًا، بعد الولايات المتحدة، من حيث الإنفاق العسكري لكل فرد.
كما أنّ مؤسسات مثل جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس تشارك في وضع العقائد العسكرية والأطر القانونية المخصصة لجيش الدفاع الإسرائيلي. يُعتبر آسا كاشير، أستاذ الأخلاق في جامعة تل أبيب، أحد مؤلفي مدونة الأخلاقيات للجيش الإسرائيلي، المعروفة بشرعنة إجراءات عسكرية مثيرة للجدل، بما في ذلك الإعدام المستهدف للمدنيين تحت ظروف معينة، لحماية الجنود الإسرائيليين.
لقد حقق المقاطعة الأكاديمية تقدماً كبيراً في الأوساط الجامعية، مع تقدم ملحوظ في عدة دول. ففي عام 2024، قطعت أربع جامعات نرويجية رسميًا علاقاتها مع الجامعات الإسرائيلية، مستندة إلى تواطؤها في السياسات التي تصفها الدولة الإسرائيلية بالعنصرية.
أدّت حملة قادتها جمعية الطلاب في جامعة مكغيل بمونتريال إلى إجراء استفتاء في نونبر/تشرين الثاني 2023، حيث أيّد 78.7% من المشاركين سياسة تهدف إلى مكافحة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وقطع العلاقات مع الجامعات الإسرائيلية. لكن تمّ تعليق هذه السياسة فيما بعد من قبل المحكمة العليا.
شهر مارس/آذار العام 2024، حدث تحوّل تاريخيّ في جامعة كيبيك بمونتريال، عندما تمكّنت مجموعة الطلاب المعروفة بـ”حركة التضامن مع حقوق الفلسطينيين والفلسطينيات (SDHPP) من الحصول على تفويض لحركة المقاطعة من جميع الجمعيات الطلابية السبع في الجامعة. وقد تبع هذا النجاح تقدمات هامة أخرى، خاصّة بفضل الديناميكية التي خلقتها الحركة العالمية لمخيمات الطلاب، والتي كانت في ذروتها. بعد شهر من احتلال الجامعة خلال صيف 2024، صوّت مجلس إدارة جامعة كيبيك في مونتريال، تحت ضغط من مخيم الجامعة الشعبية المُسمّى “الأقصى”، على قرار يفرض مقاطعة أكاديمية ضد الجامعات الإسرائيلية. ينصّ هذا القرار على أنه يجب على الجامعة التأكد من أن اتفاقياتها الأكاديمية، الحالية والمستقبلية، تحترم القانون الدولي ولا تتعارض معه.
ستستمر الانتصارات المتتالية لحركة المقاطعة في التزايد، فعلى الرغم من أنها لا تضمن نهاية فورية للاحتلال أو للإبادة المستمرة في غزة، إلاّ أنها تُظهر أهمية تكثيف أدوات المقاومة لإحداث تغييرات في الوعي الجماعي، مع تذكير الجميع بأن كل فعل من أفعال التواطؤ له تكلفة ولا يمكن أن يبقى دون عقاب. ومع ذلك، من المهمّ أنْ نتذكر أن التحرير الحقيقيّ لفلسطين هو ما يمكن أن يكسر دورة العنف التّي يمارسها النظام الاستعماريّ الإسرائيليّ، والتي استمرت منذ ستّة وسبعين عاماً.
لم تُحسم حروب التّحرير عبر التاريخ من خلال القوة العسكرية حصراً. وبسبب عدم تكافؤ القوة بين الظالم والمظلوم، كانت النضالات السياسية وتعبئة الوعي وعزل الظالمين على المستوى الدوليّ الوسيلة التي ساعدت في زعزعة الإمبراطوريات الاستعماريّة. في هذا السياق، تمثل حركة BDS سبيلاً حاسماً للمقاومة من أجل التحرير، وذلك عبر ممارسة ضغط معنوي وسياسي يهدف إلى عزل الكيان الصهيونيّ على الساحة العالمية. كلّ فعل من أفعال التضامن، برفض أن نكون متواطئين مع هذا النظام من الاضطهاد، يُعزّز هذا العزل ويُقرِّب فلسطين أكثر من تحريرها. لدينا القدرة على تحويل هذا التوازن القوي إلى انتصار سياسي؛ لذا من الضّروري رفض أيّ تواطؤ مع هذا النظام الاستعماريّ ودعم حقّ الشّعب الفلسطيني فيّ تقرير المصير والحرية بقوة. دائماً ما تنتصر النّضالات العادلة، وفلسطين ستنتصر!
لقراءة النص الأصلي
تنشر “طِرْسْ” الترجمة العربية بالاتفاق مع الكاتبة.
صفاء الشابي
باحثة تونسيّة في علم الاجتماع بجامعة كيبيك (مونتريال)