إنّ أولئك الذين يتّهمونني باختزال الفلسفة في الأدب أو المنطق في البلاغة، قد تجنّبوا – على ما يبدو – قراءتي بعناية. على العكس من ذلك، لا أعتقد أنّ النّمط “البرهانيّ” للفلسفة غريبٌ عن الأدب بشكل عام. فكما توجد أبعادٌ “أدبيّة” و”تخييليّة” في أيّ خطاب فلسفيّ (بل وسياسة كاملة للغة، وهي السياسة بشكل عام التي تحتوي عليها)، كذلك توجد مقولات فلسفيّة تعمل داخل أيّ نص يتم تعريفه على أنه “أدبيّ”، وفي نهاية المطاف داخل المفهوم الحديث لـ”الأدب” كلّه.
إنّ هذا الاستبيان بين “الفلسفة و”الأدب” ليس مجرّد مشكلة عصيّة أحاول توضيحها بذاتها، ولكنه يتخذ أيضاً شكلَ الكتابة في نصوصي، كتابةٌ لا هي أدبيّة ولا فلسفيّة محض؛ كتابةٌ تحاول عدم التضحية سواءٌ بالاهتمام بالبرهان أو الأطروحات، أو بخيالية أو شِعريّة اللّغات.بإيجاز، لا أعتقد في وجود “كتابة فلسفيّة محضة”، أيْ كتابة فلسفيّة وحيدة ذات نقاء دائم ومنفلتة عن جميع أنواع التدنيس.
أقول، لهذا السبب المهيب، وقبل كلّ شيء، أنّ الفلسفة تُنطق وتُكتب بلغة طبيعية، لا بلغة مُنمّطة وكونيّة في مطلقها. ومع ذلك، داخل هذه اللغة الطبيعية واستخداماتها، تمّ فرض بعض الأنماط قسراً (وهنا تكمن علاقة قوة) باعتبارها فلسفيّة… هذه الأنماط متعدّدة، متنازع عليها، ولا تنفصل عن المحتوى الفلسفيّ ذاته وعن “أطروحاته”.
إنّ النقاش الفلسفيّ هو أيضاً معركة بغرض فرض الأنماط الخطابيّة، والإجراءات البرهانيّة، والتقنيات البلاغيّة والبيداغوجيّة. وفي كلّ مرة تمّت فيها معارضة فلسفة ما، كان ذلك من خلال التشكيك، وليس فقط من خلاله، في صحّة وأصالة الطّابع الفلسفي لخطاب الآخر.
تعريب: أيّوب المزيّن