فلسطين: من وطنٍ مهدور إلى وطنٍ للتفكير

تضع منصّة «طرس» بين أيدي قرّائها، وبالاتفاق مع مجلة «هوية» العراقية، عدداً استثنائياً خُصِّص بكامله لفلسطين، متاحاً الآن للتحميل بصيغته الرقمية. يأتي هذا الإصدار، الذي أعدّه الشاعر والكاتب العراقي علي البزّاز، وشارك فيه مجموعة من المفكرين والكتّاب من العراق وفلسطين والمغرب ولبنان، ليجسّد موقفاً إنسانياً وثقافياً في مواجهة ما تتعرض له غزة وفلسطين من إبادة جماعية ومحاولات محوٍ للوجود. أكثر من 160 صفحة تتوزع على دراسات فلسفية وتاريخية وفنية ونصوص نقدية تكشف حضور فلسطين في الفكر العالمي، لتعيد الاعتبار إليها كحيّز للتفكير في جوهر الإنسان وحقّه في الحرية والكرامة، لا كمجرد جغرافيا للصراع.

غلاف العدد

ليست فلسطين مجرّد جغرافيا للصراع، بل حيّزاً أخلاقياً وفلسفياً يعكس أسئلة الإنسان حول الحرية والكرامة والحقّ في الحياة. غير أنّ الفكر الغربي، رغم غزارة إنتاجه في قضايا العدالة وحقوق الإنسان، ظلّ يعيد صياغة هذه التراجيديا الأنطولوجية بمنطق القوّة لا بمنطق الضحية. وفي ظلّ الراهنية المشتعلة في غزة اليوم، يزداد حضور هذه الإشكالية إلحاحاً، ما يجعل التفكير الفلسفي والنتاج الأدبي والفني حول فلسطين ضرورة لفهم أعمق للعدالة الإنسانية.

انطلاقاً من هذا الأفق، صدر عن مركز الجنوب للدراسات والتخطيط الاستراتيجي في مدينة الناصرية جنوب العراق هذا العدد العاشر (حزيران/يونيو 2025) من مجلة «هوية» الفصلية الورقية المتخصصة بالثقافة والفكر.

وفي كلمة رئيس التحرير صلاح حسن الموسوي في افتتاحية العدد، أشار إلى أنّ غزّة كشفت عن تصدّعٍ في السردية الإسرائيلية، وأن القضية الفلسطينية نالت أكبر نسبة من التأييد العالمي لشرعيتها وعدالتها، حتى وصل الشجب والاحتجاج إلى داخل أروقة جامعات النخب الأمريكية والأوروبية. مؤكداً أنّ ملف “فلسطين في المسألة الفلسفية” يأتي تذكيراً بحقيقة أن الضحية لا تتألّم من عنف الأعداء بقدر ما تتألّم من صمت الأصدقاء.

أما المقدمة التي كتبها علي البزّاز فقد شدّدت على أنّ القضية الفلسطينية، بما تنطوي عليه من امتداد تاريخي وحمولة رمزية، تحيلنا إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم “التحرير” ليس فقط بوصفه عملية سياسية أو نضالاً مادياً، بل كقيمة فلسفية أخلاقية تتأسّس على مركزية “الضحية” ومكانتها في الوعي الكوني. فالضحية، وهي جوهر الصراع ومصدر مشروعيته، تُغيَّب عمداً عن السرديات المهيمنة، وتُفرّغ من بعدها الإنساني لصالح خطاب القوة، بل يُعاد تموضعها لتبدو متواطئة أو خارجة عن الشرعية.