أستاذ فلسفة ومترجم تونسي. يُعدّ واحداً من أبرز المشتغلين في المشهد الفلسفي العربي المعاصر. يشغل منصب أستاذ التعليم العالي بجامعة تونس، وله العديد من المؤلفات والترجمات. نال سنة 2013 جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الترجمة عن نقله إلى العربية لكتاب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر «الكينونة والزمان».
في كتاب حواري تحت عنوان مينارفا بلا مساء (2025)، يقدّم أستاذ الفلسفة فتحي المسكيني تعليقاً نقدياً على فكر طه عبد الرحمن، معترفاً بعمقه وقوته المنطقية اللذين يذكّرانه بالغزالي، لكنه يأسف لانشغاله بالدفاع عن التراث الإسلامي بدل الانفتاح على التفكير الكوني الذي يليق بمقام الفيلسوف. فبرأيه، الفلسفة ليست مرافعة عن هوية أو ثقافة، بل بحث عن الحقيقة في بعدها الإنساني الشامل. ويعتبر أن ما يسميه طه «التأصيل» ليس سوى صيغة راقية من التعريب أو الأسلمة، دون أن يؤسس لمشروع فلسفي جديد. ويستدل بترجمته لعبارة ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود» إلى «انظر تجد»، التي في رأيه تُفقد الحدث الميتافيزيقي الغربي دلالته الأصلية. ويختتم المسكيني متسائلًا: ماذا نربح حين ندافع عن أنفسنا؟ فالكائن الأصيل، في نظره، لا يبرر وجوده بل يبتكر نمطه الخاص ويمضي فيه بثقة حتى النهاية.
* * *
طه عبد الرحمن في الحقيقة أستاذ عظيم، وأنا دائمًا كنت أقرؤه باحترام شديد، والمشكل أنه يذكرني بالغزالي، يعني هو شخص يتصدى للدفاع عنا، لماذا؟ وأنا ربما سألته مرة، رأيته في حياتي مرة واحدة، وأنا ما زلت أستاذًا مساعدًا في الفلسفة، تقابلنا في جِربة في ندوة مشتركة حول «المعقول واللامعقول»، رأيت شخصًا يمتلك قوة رائعة على صناعة الفلسفة والمنطق، وهو نفس الشعور الذي أشعر به عندما أقرأ الغزالي، فهو رائع وقوي ومَهيب، لكنه… وهذا الخطر هو الذي نبهنا إليه نيتشه، يتمثل في أن الاختيارات الأخلاقية هي أكبر سم يمكن أن يصيب الفيلسوف، ما هي تلك المهمة التي اخترتها لكي تقضي حياتك كلها وأنت ناهض بها، هذه المهمة هي ضعيفة جدًّا في حالة الغزالي كما في حالة طه عبد الرحمن، وهي الدفاع عن تراث مظلوم.
الفلسفة ليست محكمة بالمعنى الذي ستدافع به عن شعب ضد بقية الشعوب أو عن ثقافة ضد بقية الثقافات، لأن هذا العمل سيصبح جزءًا من نقد الثقافة وليس من نقد العقل المحض، ليس من التفكير في الكوني، وأنا مع الأسف أقول هذا الكلام لأنني أظن أن العقلاء والنبهاء قليلون ولا ينبغي تبذيرهم بهذه الطريقة.
أنا أرى أن طه عبد الرحمن ربما قام بتنفيذ المهمة التي نذر نفسه لها بشكل رائع، إلا أنه كان يجدر به أن يختار شيئًا كونيًّا، لأنه كان فيلسوفًا وليس فقيهًا، ولو كان فقيهًا أو متكلمًا فالأمر هين، بل ومشرِّف، والانتصار للمتكلم أو الفقيه لن يكون مشرِّفًا للفيلسوف، الفيلسوف له معارك أخرى، وما يسميه التأصيل هو في الحقيقة التعريب أو الأسلمة.
هذا التأصيل أو التفكير المقصود منه فقط هو التعريب الجميل أو الفائق أو الأسلمة الفائقة. أنا جربت مرة معه فكرة واحدة وهي ترجمته ﻟ «كوجيطو» ديكارت التي يقولها في صيغة الأمر «انظر تجد»، ولكن الذي ضاع في هذه الترجمة هو كل الحدث الميتافيزيقي الذي جعل الإنسان يأخذ مكان الإله في أفق الغرب، وما قام به طه عبد الرحمن في الحقيقة يشبه بعض كتابات بول ريكور، وهو تهويم الصدمة التي تقلقل عندما يقوم فيلسوف بإزاحة الإله من مكانه وتنصيب الإنسان في أفق التشريع الرُّوحي للإنسانية، هو يقول فقط هذه الطريقة موجودة لدينا وثوابت الملة يمكن أن تمتص الصدمة التي أيقظها ظهور فكرة الكوجيطو في أفق العقل الحديث. المشكلة الآن تتمثل في هذا السؤال الذي يؤرقني دائمًا: ما الذي نجحنا في إثباته عندما دافعنا عن أنفسنا؟ لا شيء، الكائن الرائع الأصيل لا يدافع عن نفسه بل هو يوجد، أي يخترع نمط الكينونة المناسب له، ويذهب في إمكانات كينونته إلى النهاية، بقطع النظر عن أي نوع من المقارنة الفاسدة بين الكوائن.
فتحي المسكيني (1961، بوسالم)





