Terss
  • Home
  • Header (FR)
  • Test-recherche
  • Accueil
  • Atlas
  • دورات عرض الفيلم
  • بودكاست
  • Optica
  • Echo
  • Index
  • أطلس
  • Marges
  • قُزحيّة
  • Dossiers
  • صدى
  • En jaque
  • فهرست
  • Qui sommes-nous?
  • هوامش
  • Politique éditoriale
  • كِشْ مَلِكْ
  • Contributeurs
  • الملفات
  • Makhzen
  • Transparence
  • Cartographie
  • Plan du site
  • عن طرس
  • ميثاق التّحرير
  • Boutique
  • كُتّابنا
  • Contact
  • مخزن
  • خرائطية
  • خريطة الموقع
  • حانوت
  • للاتصال
  • Header (AR) Bis
  • Footer (FR)
  • Cycles de projections filmiques
  • Header (AR)
  • Podcast
  • Header (FR) Bis
  • الشفافية المالية
  • Search
  • Menu Menu
Menu
  • أطلس
  • قُزحيّة
  • صدى
  • فهرست
  • هوامش
  • كِشْ مَلِكْ
  • الملفات

يونان في بطن النّون

الدّقيقة الأولى

برونو لوموان

في نصّ «يونس» لبرونو لوموان، الصادر عن منشورات «لام» ضمن مجموعة «الدقيقة الأولى» (Première minute)، تتحوّل الأسطورة التوراتيّة للنبيّ الهارب من رسالته إلى عبورٍ شعريّ وسياسيّ في أعماق الإنسان. في منطقة وسطى بين الملحمة والتأمّل، يُعيد لوموان ابتكار أيقونة النبي يونس بوصفه صورة للمقاومة والمكر — إنسانًا “يُسوجو” ليفلت من الآلهة والإمبراطوريات والآلات. لغتُه حسّية وفلسفية في آن، تمزجُ الأسطورة الإغريقية بالصورِ التوراتيّة والحداثة الميكانيكية، لتستقصي ما يتخبّط فينا جميعاً بين الطاعة والفرار.
أمّا الترجمة العربيّة «يونان في بطن النّون» (Younan fī baṭn al-nūn) فتمتدّ بهذا الغوص إلى آخر مداه، لتُعيدَ صدى المادة الصوتيّة والرمزيّة للنصّ في لغة يتماهى فيها النَّفَسُ النبويّ بالشعر…

* * *

رسم توضيحي ليونس وهو يُبتلع من قبل الحوت من «إنجيل كينيكوت»، الورقة 305 وجه (1476)، في مكتبة بودليان، أكسفورد

إلى جويل،

الأمشاط صفائحٌ قرنيّة تُغطّي الفكّ العُلويّ لبعض الحيتانيات.

الدّهاء (من الإغريقية μῆτις، وتعني حرفياً “النّصيحة والحيلة”) عبارة عن استراتيجيّة علائق في التعامل مع الآخرين، ومع الطبيعة، تقوم على “حيلة الذكاء”. يُجسِّد البطل أوليس في الإلياذة والأوديسة لهوميروس نموذج “المتيس” اليونانية، أيْ الدّهاء القائم على الحيلة والمراوغة.

السُّوجُو كلمة ابتدعتها من أجل النبي يونان. يمكنكم التمثيل، وطبعاً، المُبالغة في التمثيل كما يفعل ممثل دراميّ أو سيّء، لكن يمكنكم أيضاً، على النقيض تماماً، أنْ تُسوجُوّوا.

بالنسبة لي، السوجو هو تكتيك يبتكره النّاس والشعوب، ويُعيدون ابتكاره في كلّ ساعة، كلّ فصل، وكلّ قرن، ضدّ أمرائهم، منذ أنْ وُجدت الإمبراطوريات والدول السّاعية للهيمنة علينا. إنّ السُّوجو طبيعة ثانية للإنسان: فالجميع يُسَوْجُو طوال الوقت. حتّى هنا، أنا أُسَوجي، وأنتم أيضاً تُسوجونَ، معي أو ضدّي، بدافع المبدأ، أو الرأي الشخصي، أو حتّى بدافع المزاج. أحد نماذج السوجو هو بارتليبي، الشخصيّة في رواية هيرمان ملفيل.

أنا أسوجو / أنت تُسوجو / هو يُسوجو / نُسوجو / نحن نُسوجو / أنتم تُسوجونَ / هُنّ يُسوجونّ.

إنّ مقولة السّوجو توجد (على) سطح الأشياء.

دائماً.

على

السّطح
السّطح

I

السّطح

عن كتاب Biblia latina cum glossa ordinaria – دويه: بالتازار بيلير ويان كيربيرغن، 1617 (مكتبة جامعة بواتييه، المجموعة القديمة، Folio 805)

–Ɪ –

السُّوجو
المصادفةٌ السعيدة
تُلقي زهرَها على السواد
نورٌ رماديّ داكن
بين حدقةٍ
وعدسة عين
نورٌ إنبثاق نُورانيٌّ
على الهنا،
… لكن أين
يمكننا كلّ مرّة
أنْ نلتقط مفرداتٍ ليست مطلقاً
ممزوجة…

تجويف موقع الألف
بالانكسار
صُهارة العين

طيّة
وَرَمٌ
مُسْتَتِرٌ
تحت الرّغوة

في زاوية قِشرة
سكيتشٌ لجيروم بوش
أو لأوديلون ريدون .

لكلُّ موقد في الجلد
لاره مختبئاً
خلف صَدَفة .

حِيَلُ أوليس،
مرةً في جوفِ حصان،
ومرّةً تحت صوفِ كبش
تخرجُ من الفاتح الغامق
لأبدان من لمعان امتداد
لا نهائيّ
يلمسَ قرنيّتَه
كما، على المِياه، تَموُّجُ
الحُوريّات اللواتي سلّطهُنّ
بوسيدون عليه .

حِيَلُ أوليس، ولكن أيضاً
حيل النبي يونان
يُسوجو ضدّ الإله
مُتشبّثاً بالأسنان
الداخلية للنون
الأمشاط، صفائحُ قرنيّة
صافية كما العاج
حتّى لا يُقذف به
إلى اليابسة الحاسمة .

حِيَلُ أوليس
كلُّ مَن يُحاولُ
مُداورةَ إرادةِ الآلهة
منخور
الإنسان
ينخر

دهاء اليونان،
حكمةُ الحكماء القدامى
وكذلك حكمة الشّعراء
قبل أن يطردهم أفلاطونُ
من المدينة .

السُّوجو
السُّوجو

ديوجين على البحر رهينةً
بينما كان في طريقه إلى أجانيطس .
ديوحين الذي سمّاه أفلاطون
سقراط المجنون
باعه قراصنةٌ عبداً في كُورِنثُوس:
“-ماذا تُحسِنُ؟ وتحت أيّ عنوانٍ نبيعك؟
-“أُحسِنُ قيادةَ البشر”، قال.
اكتبوا هذا
على لوحي، ما يتوجّب على مُشترِيَّ أن يقرأ:
“ديوجين
قبطانُ الحياوات
البشريّة”.

وديوجين بعدما كان
ابنَ كبير صيارفة سينوب
ثمّ متسوّلاً في ميادين أثينا
صار مربّياً لأبناءِ
تاجرٍ ثريٍّ في كُورِنثُوس

وحينَ جاء أصدقاؤه ليفتدوه
حتّى يعود كما كان رجلاً
حُرّا لا عبداً فأبى:
“الأسدُ سيّدُ مَن يُطعمه”.
قال لهم.

الدّهاء اليوناني
السُّوجو

مُعشّشاً تحتَ أُرْبِيَّة، خلفَ
أمشاط نون أو
ملتجئاً إلى بيتِ
تاجرٍ كورنثيّ
سُوجُوّوا.
أنتم أيضاً تُسوجوّوا
تكبحون الإقاعات
في المصنع
تخفضون إيقاع
نبضات الآلة
ونبضات النظام .

نظريّةُ الفشلِ
وتقنيةُ التفصيل المنير…
كلّها شيءٌ واحد .

كما ألوليس، لن تكونوا أحداً
داخل كهفِ الصُقلوب
ولا أسداً لابنيّ
تاجر غنيّ من كورينث .

سوجُوّوا، بدوركم،
حتّى تنجوا،
بدلاً من أن يلتهمكم
البشر .

احكموا الناسَ
من وراء آلاتكم .

وأنتم، أيها الشعراء،
عليكم بدوركم أن تُسوجُوّوا
كي تنجوا .

هكذا دائماً
كان عليكم أن تُسوجُوّوا
أو تساموا الميتيس .
تكبحون الآلة
الشِّعرية
فقد تعلّمتم كبح
نبضها عندما كان يلزم الأمر .

عن كتاب “الجغرافيا المقدسة وآثار التاريخ المقدس: رسائل / جوزيف رومان جولي. – باريس: أ. جومبير، 1784 (مكتبة جامعة بواتييه، المجموعة القديمة، m 5640)

– II –

دخلَ الإله يوماً
عبر نافذتي
كمقاتلٍ أميركيٍّ في مهمّةِ كوماندوز
هكذا، بلا إنذار .

طلب منّي
أن أُدخِل رسماً كان يُشيرُ إليه
نقشٌ من ذهبٍ أحمرٌ قانٍ
نسيـتُ معناه
من خلال الجسد
فوهة مسدّس بي.38
مُصَوَّبٍ إلى رأسي .

ولأنّ العمليّة قد تكون موجعة
ولأنّ الإله صاحبُ سلطان
هربتُ على الفور
حين غفلَ طرفُه

ركضتُ بقدرِ ما تحملُ ظِلّي.
لم يَعُد أحدٌ يراني في المدن
ولا في الساحات العامة
لأور وموسكو
ولوس أنجلِس وأولان باتور أو القدس .
وكان الأمرُ يسيراً،
لم يُكلِّفني كثيرَ عناء،
رغمَ كلّ الحِيَلِ والتّمائم
السحريّة
للـ«سي آي إيه» و«إن إس آي»، والدّهور، والملائكةِ العِظام، والفدائيّين، و«القدّيسة فيم» ومهما قالَ بعدئذٍ مُفسِّرو حياتي
موظّفون أو مدوّنون تُبّع
رتابة متعالية للغاية
رواية ملحميّة وتزييف يُسمّى الكتاب المُقدّس
حِلْية رخيصة أو ثغاء-الخِراف .

قليلون عرفوني قديماً
قبل أن يلتفتَ الإله إليّ
إذ لم أرد يوماً أكثرَ
من سقفٍ أعيشُ تحته .

كنتُ آكلُ ما يكفيني
بلا أوجاعِ معدة
هذا أيضاً أحببتُ ذكره
للقارئ
لأجل السجلاتِ
والتّوافه الأخرى
الجادّةِ جداً كلّها
المهيبةِ والجامدة،
التي قد يخطُّها مدوّنوهم
على برديٍّ، أو «حجرِ رشيد»،
أو على جلودِ فُقَمٍ
مخروطةٍ يدويًا
ميكانيكياً أو كمومياً

منذ صارت الحياةُ تُحسَبُ باثنتين،
في أسواقِ كرويسوس
وفي خزائنِ فُوجَر.

أنا رجلٌ بسيط.
أنا يونان نبيٌّ
طائرُ شؤم
لكنّي لم أختر أن أكونَ بشراً ولا
يونان ولا نبيّاً
ولا طائرَ شؤم .
أنا يونان
ولم أختر شيئاً قطّ،
شيئاً ما اخترتُ، ها أنتم ترون .
ولا مثلكم
تهربونَ الآن من قسوةِ مَن قذفَ بكم إلى هاهنا.

الأمواجُ تجري أمامكم
الأمواجُ تجري وراءكم .

بحرٌ ينفسحُ، ينكمشُ، يَتَمَوَّجُ ويَتَثاءب
وتثاؤبُه
يُنشئُ ويُفني عوالمَ وأحياء.

وأنا معكم على القارب
الذي يتركُ إسرائيلَ إلى تارتيسوس
في إسبانيا .
كلُّنا هنا،
بحّارةٌ ومسافرون
نهربُ آلهتَنا
وسفينتُنا

تنزلقُ على البحرِ الأوسط وتأخذنا.

الأمواجُ أمامنا
الأمواجُ خلفنا
وتجرّنا

والرياحُ تثورُ وتدخلُ
في الأشرعة .
سفينتُنا تميدُ وتكادُ تنقلب
خشبُها يأنُّ ويستسلم .
فتصلّون لآلهتكم
كلٌّ بلسانه
تستغفرون فرارَكم.
وأنا، إذ أراكم هكذا
مُكرَهينَ، منكسرين،
مَطروحينَ مثلي على البحرِ الهائج
أضحكُ من سذاجاتكم
وصغائرِ جبنكم:
ماذا توقّعتم؟
أن تنساكم آلهتُكم الآن؟
الآلهةُ لا تنسى… أبداً
ألا تعلمون؟»

ثمّ، بلا إطالة،

أُسلِمُ أمري للحظّ،

لا أخشى بحرًا ولا موتًا

ولا أن أكون مُرتدًّا—

والجحيمُ أهونُ عندي من الحياة—

أنزلُ إلى قاعِ السفينة
وأنام… نوماً ثقيلاً
نومَ البرّي
وأترككم
لوحدكم مع مراثيكم.

أرضيّة كنيسٍ يهوديّ يعود عمره إلى 1600 عام (فلسطين)
لا يظهر من النبي يونان سوى قدميه، بعد أن ابتلعه الحوت. وللمبالغة في القصة، يُصوَّر أن الحوت الذي التهم النبي يُبتلَع بدوره من قِبل حيتان أخرى

– III –

بدأت الصعوباتُ بعد ذلك:

فَقْدُ المياه المعتاد، شفّافٌ،

تَوسُّعُ عُنقِ الرَّحِم بلا خطرٍ حقيقي.

أصابعُ طبيبِ التوليد تتحسّسُ بطنَ الأم.

رحمٌ سليم.

عرضٌ طوليّ للجنين.

القطبُ الرأسيُّ إلى الأمام، كما هو مُقَرَّر،

تحتَ المقعد، في عُنقِ الرَّحِم.

ثمّ يلمسُ الإصبعُ، خلف المقعد،

رأسَ الجنين… فيرتجُّ غريبًا،

كأنْ…

كأنّ نائمًا في سباتٍ عميقٍ

لا يريد أن يُولَد.

والجنينُ يُقاوم،

يقوسُ ظهرَه،

يتمنّع…

يريد البقاءَ في عمقِ النوم،

ألا يجيءَ إلى

وهنا يظهر «البورِيُون»،

مراقبُ المناجم الإلهيّ

وقبطانُ السَّفينةِ التي أُبحر عليها.

مصباحُه الزيتيّ أمام عينيّ،

يصرخُ بكلّ ما أوتي،

تحتَ قبوٍ أسودَ فاحمٍ

تدعمهُ دعاماتٌ خشبية:

«ما الذي تفعلُه هنا، يا يونان، نائمًا في قاع السفينة،

بينما الجميعُ على السطح والبحرُ هائج؟

أما تسمعُ صَخَبَ الريح،

والعواصفَ تقتلعُ الأشرعة؟

كان يجب أن تكون فوق، مع الآخرين!»

أفتحُ عينيّ، مذهولًا، مبهوتًا،

أرى وجهَ القبطان الأسودَ بالسُّخام،

مصباحُه مثبتٌ في خوذته:

“ألَا كرامةَ عندك، يا يونان؟!

انهضْ! اخرُجْ إلى العراء!”

فأجيبهُ: “تفو!”

عندها أمسكَ بي البحّارة،

عمّالُ البحر ذوو الأجساد المتعبة،

رفعوني من قفاي كما تُرفع قِطّة،

في اهتزازات السفينة المبتلعة بالموج.

أدخلوني في مصعدِ البئرِ الصّاخب،

وفي زئيرِ الأمواج

الأعلى من عشرةِ مراكب،

رفَعني إلى سطحِ السفينة،

إلى وسطكم أنتم،

نساءً ورجالًا وأطفالًا ودجاجًا،

الذين دفعتم أثمانًا وبحثتم عن مهرّبين

لتجدوا أنفسكم في عينِ التيه،

بينَ الكواكبِ والكوارث،

عند شواطئ قبرص،

وإدارة «شِنغِن»،

وقراصنة ليبيا،

وسادة البحر.

«لن نحتاجَ إلى المِلقط، سيّدتي،

إذا أمسكتُ برأسِ طفلكِ قبل أن ينقلب.

ادفعي، سيّدتي،

ادفعي…

تابعي التقلّصات،

أشعر أنه قادم!»

المراوحُ في الأنفاق تدفعُ إعصارًا آليًا

كعاصفةٍ بحريّة.

هكذا وُضعتُ على السور ثانيةً،

بينكم، غارقًا في جموعكم،

وأنتم تُواصلون الابتهالَ لآلهتكم،

وتحلمون الآن بالرسمِ الأحمر الذهبي

الذي أراد أن يغرسهُ فيكم كما فيّ.

ضرباتُ المجاديف في العربات

أضافت إلى المشهدِ وَهْمَ ارتطام الموج.

ظللتُ برهةً مُسمَّرًا،

أستمعُ إلى نوحِكم،

وأنتم مبتَلّون حتى العظم،

أذرعُكم مُدلّاة أو مرفوعة إلى السماء،

لا أعرف لأيّ صلاة.

وكان الفيلمُ رديئًا حقًا،

وراء ظهري كنتُ أشعر

بنظرةِ البورِيُون السوداءِ

في سماءٍ سوداء،

قائدُ مناجم الفحم

فوق البحر أو تحته،

بينما الكهوفُ والسماءُ ينهاران على رؤوسنا،

منذ سفرِ التكوين.

وحين لم يُجب أيُّ إلهٍ على صلواتكم،

صرخَ البورِيُون، خوذته تتلألأ بالمصباح،

في وسط النفق، على سفينته:

«بما أنّ الآلهة لم تُجبْ،

فلنقترعْ،

مَن مِنّا أغضبَ سيّدَه.

من يختارهُ الحظّ

نقذفهُ في الجُبِّ المفتوح،

علّ البحرَ يهدأ،

ويصيرُ سفرُنا آمنًا.»

إنها «المحنة»…

قضاءُ البشرِ الأبسط.

ثلاثَ مرّاتٍ سُحبت القرعة،

وثلاثَ مرّاتٍ خرج اسمي.

اقتربَ منّي القبطانُ المرتجف:

«مَن أنتَ، يا يونان؟»

قلتُ: «أنا عبريّ. جئتُ من إسرائيل.

إلهي، يهوه، قويٌّ جدًّا،

حتى أنه يُرغِمُكم على الانحناء للأرض.

ادعوه أنتم أيضًا،

إنه الإلهُ الأقوى، الأشدُّ حُبًّا وغضبًا،

العليمُ الداهية.

يمسكني من قفاي كما يفعل بكم.

ولماذا يُعاقبني؟ لا شيء.

جريمتي الوحيدة: لم أُرِدْ أن أكون نبيَّه.

هذه كلّ خطاياي.

يمكنكم أن ترفضوا حرثَ حقلِ إنسان،

لكن لا يمكنكم أن ترفضوا حقله هو.

هربتُ من مهمّته،

ركبتُ هذه السفينة،

علّني أفلتُ.

لو كنتُ مكانكم،

لطرحتُ جسدي في البحر حالًا.

بعدها سيعودُ كلّ شيءٍ هادئًا،

الماءُ أملسُ كزيت،

وتصلون إلى تَرْسِيش سالمين.»

وقبل أن يُكملَ،

ألقَوني في الجُرحِ الأزرقِ المفتوح

على قاع الأزمنة.

وظننتُ أن القصة انتهت هنا،

حتى اندفعَ حوتٌ من أعماق البحر،

فتحَ فمَه ليبتلعني.

«جيّد! قلتُ في نفسي.

مَن سيبحث عني في بطنِ حوت؟

أستطيع النوم الآن،

من جديد.»

«ادفعي، سيّدتي،

ادفعي أقوى!

بعد قليل!

بعد قليل!»

أرشيف المكتبة الوطنية الفرنسية (BNF)

– IV –

مَن؟

ماذا؟

أيُّ عالَمٍ

يُنسيني قصدي الأوّل

ألا أكون حيثُ فُرض عليّ أن أكون؟

لأنّي لم أُرِد قصدًا أصلًا،

ترون؟

وسط الناس،

كما في بطنِ حوت،

أحلمُ بثباتِ الحجارة.

أنا في حوتي،

كما في طيّاتِ ثوبٍ أموميّ،

وفي حوتي،

في ثناياه، كشكوشاته، أهدابه،

في هذا الحوت بالذات،

أركضُ بعدُ،

أهربُ بعدُ،

مثل طفلٍ يختبئ برأسه

بين ساقي أمه،

يهربُ من الأفق، ومن الله.

والطفلُ وأنا

نسعى أبعدَ فأبعد

لندخل من جديد

في الثنايا،

في الطيّات،

في اللحم،

في الأرحام،

في الأجساد،

في أمشاط حوتِنا نحن،

بعيدًا عن عيني الله

وعن عيون البشر،

حتى تستسلم الأجساد—

أجسادُ الأمهات وأجسادُ الله—

مرّةً أخرى،

لحركة هروبِنا إلى الأمام.

مَن أعاد كتابةَ كتابِ «يونان» الذي يقرؤه المسيحيون اليوم؟

أيُّ ناسخٍ؟ ولأيِّ ملكٍ غيّر

كلمات حكايتي؟

لقد «سَوْجَيْتُه»، ترَون؟

هذه هي الكلمةُ التي يجب أن تقرأوها في كتابي.

أنا، يونان، صنعتُ ما أمرني يهوه به:

كنتُ نبيَّه،

كي ينساني بعد ذلك.

ولمّا قذفتني الحوتُ على الشاطئ،

كقَذْفَة بلغمٍ في الشمس،

تركتُ ملاكًا يغرس في جسدي

ذلك الرسمَ الأحمرَ الذهبي،

أحسستُ ناره تجري في دمي

مثلَ سمٍّ،

فقبلتُ مهمّته،

هذا كلّ ما في الأمر.

انطلقتُ إلى «نينوى»،

ألفِ فرسخٍ من القدس،

صرتُ نذيرَ شؤم،

حيثُ لله ضرائبُ يجبيها،

خرافٌ يجزّها،

وأرواحٌ يحصدها.

كنتُ كاتبًا أمينًا لإلهٍ صانع.

وحين رأتني نينوى قادمًا،

أصرخ:

إن الله يريد قتلَ أبنائها لذنوبها،

لم تتأخّر في منحي ذهبَها، نساءَها وأولادَها.

لم يكن لأهلها أكثرُ خيارٍ منّي،

صدقوني.

أيُّ خيارٍ ضدّه؟ لا شيء.

والحكاية…

حكايةُ «اليقطينة» التي نبتت في نومي،

هي خرافةٌ من كهنةٍ في خدمة ملوكٍ وبابواتٍ،

ليجعلوني بليدًا،

جاهلًا، أحمقَ، سخيفًا،

وليُظهروا العليَّ فوق سحابته

رحيمًا متسامحًا معي—

كثير الجود، عظيم العفو،

يغفرُ كبريائي وعُجْبِي ونزَقي،

ويُبقيني حيًّا.

لكنّي، حالما أنهيتُ نبوءاتي في نينوى،

عدتُ إلى بيتي، صدّقوا أو لا تصدّقوا.

لم أمكثْ على أطرافها أنتظرُ دمارها.

لم يكن لي عداوةٌ مع نينوى؛

مصيرُ أهلها كان لا يعنيني.

لماذا أنتظرُ الله ليُنبتَ فوقي يقطينةً

تظلّلني بينما أنتظرُ غضبَه وصواعقه؟

لِمَ يحتاجُ أن يُظلّلني أنا؟

ولماذا أرجو إلهًا منتقمًا أصلًا؟

كلُّ ما رغبتُه آنذاك:

العودةُ إلى منزلي.

بيتي كان أغلى عندي

من نزواتِ طاغيةٍ، ولو كان الله،

جرّني لأجمع له ضرائبه،

أديرُ بيتَه، وأُسْمِنُه!

يونس والحوت العظيم في «جامع التواريخ» (حوالي عام 1400)، متحف المتروبوليتان للفنون

– V –

دعونا نعيش بعيدًا عنكم،

يفكّرُ العاملُ في نفقه،

دعونا «نُسَوْجِي»

في قاعِ السفينة،

تحتَ القباب،

في الأحواض.

بعضُهم—

عمّالُ مناجم تحت الأرض—

تخيّلوا،

في المستوى خمسمئةٍ وثلاثين،

في قاعِ الحُفرة،

بين ثلاثمئة رفيقٍ مثلهم،

أنّ:

التباطؤ…

أن يُبطِئوا،

أن يُبْطِئوا

الـ…

إيـ…قاع

لـن يُلحَظ.

«آه، لو كان لديّ كلمات،

كلمات، فكرةٌ واحدة،

لحظةَ ميلادي!»

يفكّر الطفلُ وقد أضحى واعيًا بنفسه.

«لو أنها أبقتني فيها،

وتركتني أعيش كما أردتُ،

كروحٍ جنينيّةٍ

في عمق الأعماق،

خلف الفَنّونات!

لو أنها عاشت هكذا،

وأمها قبلها،

وأمُّ تلك،

وأمّ أمّها،

حتى «ثالاسا»،

كدميةٍ روسيّةٍ لا تنتهي!

لو أنّ ⸻»

لا شيء أصدقَ من عاملٍ

يُضربُ إضرابَ البطء،

أو شاعرٍ…

يتوقّف…

هنا.

كان البردُ والظلامُ في بطن الحوت،

لا يُرى شيءٌ تقريبًا،

سوى نورٍ بعيدٍ في الطرف الآخر

يدلُّ على المخرج…

«كما كان يونان في جوف الحوت

ثلاثةَ أيامٍ وثلاثَ ليال،

هكذا سيكون ابنُ الإنسان

ثلاثةَ أيامٍ وثلاثَ ليالٍ

في بطن الحوت.»

إنجيل متى، 12:40

لكنّي فضّلتُ دومًا

على العهد الجديد ورُسُله

كتابَ «الرجل الذي مات»

لدي. هـ. لورنس.

هناك يُقال إنّ يسوع،

حين خرج من القبر

مُستيقظًا من غيبوبته،

لم يُرِد أن يكون إلهًا بعد الآن،

بل إنسانًا.

ترك خلفه مبشّريه،

غادر اليهودية،

تزوّج كاهنةً من «إيزيس» في مصر،

وأنجب أولادًا كثيرين

نسيهم التاريخ.

ربما «الرجل الذي مات»

أقربُ إلى الحقيقة

من أناجيل الرسل.

ربما أن تكونَ إلهًا

هو مصيرٌ فادح.

⸻ في 2014، دمّر «داعش» في الموصل

قبرَ النبيّ يونان،

المقام في مسجدٍ على «تلّ النبي يونس».

وتحت الركام اكتشف الأثريّون

قصرًا آشوريًّا للملك «آسرحدون»

(القرن السابع قبل الميلاد).

كان قبرُ يونان وهمًا،

مزارًا للحجّاج منذ قرون،

لكن قصرَ آسرحدون كان حقيقيًا.

غير أنّ السلسلة التي تشكّل «الواقع»،

والواقعُ علاقةٌ،

ستبقى غير مرئيّة،

لو لم ⸻

الفوتو-مونتاج ⸻

السلسلة

تبقى، كخياطة،

كقطعٍ مرئيّةٍ على القماش:

أثرُ المقصّ هنا. نعم.

كقبرٍ زائفٍ،

حوتٍ زائف،

منجمٍ حقيقي،

أمٍّ حقيقية،

أناجيلَ زائفة،

مخطوطاتٍ حقيقيّة،

نبيٍّ صادق،

إلهٍ مزيّف،

كاتبٍ زائف،

عاملٍ حقيقي،

رقيبٍ مزيّف،

أجنّةٍ كاذبة،

حياةٍ حقيقيّة،

يقطينةٍ حقيقيّة أو زائفة— كما تريدون.

حقيقيّ أو زائف، كما تشاؤون.

اصنعوا أنتم تاريخكم بأنفسكم.

تناغمات ميركمايستير، فيلم روائي طويل، بالأبيض والأسود، 2000،
إخراج بيلا تار.

– VI –

وهذا يونانُ مشدودٌ إلى حوتِه
ملتَفٌّ فيه بروابطَ لا تُرى،
كَمَصّاصاتِ أخطبوطٍ
تشُدّه إلى صخرٍ تحت الماء .
أو مثلَ ملكِ إسبرطة
يطاردُ بروتيوس في جزيرة فاروس
وسطَ قطيعِ فُقَمِ
بوسيدون .

ملك إسبرطة مينلاس
منكمشٌ هنا
محتجب متنكِّر
يتربّصُ فريسته/بروتيوس
الذي عليه أن يكشفَ مصيره،
يُخفي نفسه حتى يصيرَ هو ذاته
الفريسةَ التي ينتظرها.

والحوتُ، مثل بروتيوس المأسور،
كي تنتفخ أشرعةُ سفينة،
هو السحابةُ التي تُعيد يونان إلى اليابسة.

امتصاصٌ أيضاً:
امتصاصُ الأيدي للهواء
حتى تلتصق بالصخر
وتصيرَ معه واحداً.

حامضيةُ الأصابع،

تُدخِلُ الماءَ والهواءَ والسمكَ والصخر،

وتعصرُ البُنى،

موليّاتٍ وعضوياتٍ،

لتنصهر لحظةً في قلبٍ واحد—

قلبُك،

أنظر هناك:

شيءٌ تحت جدار الحوت

يحفر نفقَه،

يدفع هواءً من مراوحَ

ليجفّفَ جلدَ الحوت،

ليجعله متماسكًا.

ضجيجُ محركاتٍ،

عُمّالٌ في جوف الحيوان،

يتصبّبون عرقًا ودمًا،

يحملون خراطيمَ طويلةً

كي يبقى جلدُ البرمائيّ رطبًا.

ثمّ، في أعمقِ العمق،

صوتٌ معدنيٌّ صاخبٌ—

حفّارةٌ حقيقية:

حَفّارةٌ،

وحشٌ برؤوسٍ معدنيّة،

تدور، تنغرسُ في جلدٍ أسودَ قاسٍ

تحت مخرجِ حوتٍ ميت،

ميت،

جاثم،

جُرّ إلى قلبِ مدينةٍ صغيرة،

وسطَ الساحة،

كتسليةٍ للأطفال وذويهم،

وللقارئ أيضًا.

انظرْ:

حفّارةٌ تحت الحيوان الميت منذ زمن.

حفّارةٌ تنخرُ لتوسّع

فراغَ المعرض.

ثم تتوقف الحفّارة

فجأة.

تتوقف هناك،

يعودُ الصمتُ تحت العوارض،

في العتمة،

صمتٌ طويل، عنيد.

ثمّ، من جديد،

صوتُ البورِيُون الأجشّ،

مراقبُ البحار العالية والمنخفضة،

يرتدّ تحت القبو،

يدعو لإعادة الإيقاع:

«يونان! يونان!»

يصرخُ الآن مذعورًا.

لكن يونان لم يَعُد.

لقد اختفى.

النبيُّ حمل معه المفاتيحَ

التي تُشغّل الحفّارة!

على المقعد،

قربَ المقود،

يجدُ البورِيُون ورقةً مجعّدة،

يفكّها على ضوءِ مصباح:

«تريدون مفاتيح الحفّارة؟

سوف تدفعون الثمن.»

كلُّ شيءٍ يُدفَعُ يوماً.

وهكذا…

3784 كلمةً لآخر فصل،

أنهيتُ نهاري،

مساء الخير.

ها هي 3784 كلمة

للقسم الأخير:

لقد أنهيت يومي،

طابت ليلتكم.

برونو لوموان

كاتب

سرديات: ماتاشين و ما بعد يوميات نيجينسكي عن دار النشر أل دانتي

أنطولوجيا الشعر المعاصر: «الرجل التقريبي» (كتاب + فيلم DVD
مع الكاتب فرانسوا دومينيك) عن دار النشر أل دانتي

شعر معاصر: مجلات أكسيون بويتيك، نيُك، نهاية الحواف، مجلة ريس بويتيكا، دوكس… إنجاز مجلة الشعر والفن القائمة السوداء

مقالات ودراسات: مجلات الفن الحالي إنتر (Inter art actuel)، مجلة الموارد (La Revue des Ressources)، سياسة المؤلف (Politique de l’auteur).
«نحو هانتولوجيا للسينما»، منشورات لا نيرت، دجنبر 2023.

  • عن طرس
  • ميثاق التّحرير
  • الشفافية المالية
  • مخزن
  • كُتّابنا
  • حانوت
  • خريطة الموقع
  • للاتصال

© جميع حقوق النشر محفوظة 2025 طرس

عن طه عبد الرحمن.. إتلافٌ أنطولوجي للمفاهيم المُترجمة؟...
Scroll to top